في العام 1886، وقف الصيدلاني والضابط السابق في الجيش الكونفدرالي الأميركي، جون بيمبرتون (1831- 1888) المدمن على المورفين، في الشارع أمام صيدليته "جاكوبس"، وهو يحمل إبريقاً يعبئ منه زجاجات سعر الواحدة 5 سنتات.
كانت الزجاجات تحتوي على شرابٍ تمكن من تركيبه عن طريق إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الماء والسكر وحمض الفوسفوريك، والكراميل لإضفاء اللون، ومادة Coke المُستخرجة من ورق الكوكايين، ونكهة الكُولا Cola المُشتقة من بذور نبتة بهذا الاسم وتحتوي على مادة الكافيين.
صُنع الشراب كبديل للكحول ونوع من الدواء لعلاج الصداع وعسر الهضم وتقوية الأعصاب، والمساعدة في علاج الإدمان على المورفين الذي شاع في أعقاب الحرب الأهلية الأميركية، لكنه كان يُبدي حرصاً شديداً من أول يوم، على أن يُبقي تركيبة مشروبه الحقيقية ومقاديرها طي الكتمان إلى الأبد.
في ظل الاعتقاد السائد في أميركا حينها، بأن المياه الفوارة مُفيدة للصحة، حقق اختراع بيمبرتون انتشاراً واسعاً باعتباره مشروباً مُنعشاً ولذيذاً، وذلك قبل أن يبدأ الناس في العام 1904 القلق من الآثار المحتملة للإدمان، بتأثير أوراق نبات الكوكا الذي يدخل في تركيبه، فاتخذت السلطات المحلية فى أتلانتا إجراءات للبدء في حظره.
اضطر بيمبرتون أن يُجري تغييراً على مكونات اختراعه، ويُطلق عليه اسم "كوكاكولا"، ويبيع حقوق إنتاجه إلى رجل أعمال يُدعى ايسا غريغز، وهو الرجل الذي كان أشد قلقاً من احتمال وقوع "قدس الأقداس" في الأيدي الخطأ، من بيمبرتون نفسه.
أقدم غريغز على إزالة كافة التسميات المُدونة على علب المُكونات، كي لا يُمكن التعرف عليها من العاملين إلا بواسطة النظر والشم فقط، وأودع النسخة الوحيدة المكتوبة على الفور في أحد بنوك جورجيا، ووضع لها رمز 7X.
تحولت كوكاكولا إلى المشروب المُرطب الأكثر شهرة في العالم، بعد أن رفعت معنويات الجيوش الأميركي في الحرب العالمية الثانية، ووقع في غرامها بعض قادة الاتحاد السوفياتي السابق، في الوقت الذي كانوا يُحرّمونها على شعوبهم باعتبارها رمزاً للامبريالية.
أصبحت كوكاكولا الأقوى تأثيراً على عوالم الموضة والرياضة والفن والموسيقى، حتى غزت أغاني فريق البيتلز في العام 1969، واصطحبها رواد الفضاء على متن مكوك الفضاء تشالنجر العام 1985، ورعت دورات الألعاب الأولمبية، بدءاً من دورة أمستردام في العام 1928، إلى دورة بكين في العام 2008.
تحتل الشركة الآن المركز السادس في قائمة أغلى العلامات التجارية للعام 2014، في منافسة شرسة مع شركات ضخمة بحجم جوجل وآبل، وحققت أرباحاً العام الماضي قدرها 8.6 مليار دولار، وجسدت مفهوم العولمة، بانتشارها فى قرابة 200 دولة.
وفقاً للخبراء فإن تركيبة كوكاكولا تُعَدّ أكبر سرٍ في العالم، على مدى الـ 150 عاماً الماضية.
ما هي حكاية هذا السر؟
طبقاً لمارك بيندر غراست، مؤلف كتاب "الله والوطن وكوكاكولا"، فإن "الحفاظ على سرية التركيبة، عبر إضفاء الألغاز والغموض عليها، يهدف جزئياً إلى زيادة الأرباح والاحتماء من المنافسة، ولكن الأهم من ذلك، أنه يمنع الناس من معرفة الحقيقة بأنّ المكونات رخيصة جداً والأرباح كبيرة".
وهو ما يعني أن "سر التركيبة" يُعتبر اللغز الذي تتعمد الشركات إخفاءه، ليكون سلاحاً يُستخدم في مواجهة حدّة المنافسة في صناعة المشروبات الغازية، ولفتح شهية الناس وجلب مستهلكين أكثر.
ووفقاً لموقع شركة كوكاكولا، ظلت تركيبة المشروب تُحفظ وتُنقل شفهياً، على مدى أكثر من نصف قرن من اختراعها، ولم تُكتب إلا في العام 1919، عندما اشترتها مجموعة ايرنست وودراف، ليتم بناء على ذلك تسليمها للمُلاك الجدد، الذين أغلقوا عليها قبو أحد بنوك آتلانتا في العام 1920.
وبعد 86 عاماً من ذلك التاريخ، وتحديداً في العام 2006، تقرر نقلها إلى متحف الشركة، التي حرصت على مدار عمرها، وفي جميع مراحل تغيير مجلس إدارتها، على أن تُبقي العلم بالتركيبة وتفاصيلها، مُقتصراً على اثنين فقط من مديريها الكبار، يسافران على متن نفس الطائرة، دون أن تكشف عن اسميهما ووظيفتهما.
وزيادة في أجواء الغموض، وضعت كوكاكولا تركيبتها داخل علبة حديدية، في خزينة هي أشبه بقلعة كبيرة مُحاطة بغابة من الأسوار الحديدية المؤمنة بالرنين المغناطيسي، ولا تفتح إلا بمجموعة من الرموز، التي تجعل من المستحيل تقريباً الوصول إليها.
ولم تُبد الشركة أي استعداد لعرض محتوى هذه الورقة المُحصنة، على اعتبار أن ذلك سيتطلب الكشف عن معادلة التركيبة نفسها، وهو ما سيجعل من السهل على شركات أخرى أن تصنع نفس المُنتج.
وعلى الرغم من ذلك، أخذت بعض محاولات كشف السر تطفو بين الفينة والأخرى، بدأتها صحيفة محلية في آتلانتا في العام 1979، بمقال ادعى كاتبه أن ما أورده هو تفاصيل التركيبة الأصلية لمشروب كوكاكولا، وأنه حصل عليها من دفتر قديم ينتمي لصديق وزميل مُقرب من بيمبرتون، مدون به تركيبة عبارة عن: مستخرج من أوراق الكوكا، والكافيين، والكثير من السكر، وعصير الليمون، والفانيليا والكراميل، بالإضافة إلى خليط من زيوت البرتقال وجوزة الطيب والقرفة.
كما نشر موقع Thisamericanlife.org ما يقول إنه نسخة طبق الأصل من التركيبة الأولى أيضاً، وهو ما دأبت الشركة على نفي صحته، مُشددة في جميع ردودها على أن ما في حوزتها فقط هو الشيء الوحيد الحقيقي.
أما مارك بيندر غراست فقد أورد في كتابه صورتين لقائمتين، تدّعيان أنهما تشرحان التركيبة الأصلية لاختراع بيمبرتون، والطريف أن غراست يُسلّم بأنهما صحيحتان، مُعلقاً "لا يتعلق الأمر بالتركيبة نفسها، فحتى لو عثر عليها المنافسون وطبقوها بحذافيرها، لن يقدروا على المنافسة، فمن ذا الذي سيشتري مشروباً سيكون في النهاية مماثلاً لكوكاكولا، وربما سعره أغلى، في الوقت الذي بإمكانه أن يشتري المشروب الأصلي من أي مكان من العالم؟!".
في العام 1886، وقف الصيدلاني والضابط السابق في الجيش الكونفدرالي الأميركي، جون بيمبرتون (1831- 1888) المدمن على المورفين، في الشارع أمام صيدليته "جاكوبس"، وهو يحمل إبريقاً يعبئ منه زجاجات سعر الواحدة 5 سنتات.
كانت الزجاجات تحتوي على شرابٍ تمكن من تركيبه عن طريق إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الماء والسكر وحمض الفوسفوريك، والكراميل لإضفاء اللون، ومادة Coke المُستخرجة من ورق الكوكايين، ونكهة الكُولا Cola المُشتقة من بذور نبتة بهذا الاسم وتحتوي على مادة الكافيين.
صُنع الشراب كبديل للكحول ونوع من الدواء لعلاج الصداع وعسر الهضم وتقوية الأعصاب، والمساعدة في علاج الإدمان على المورفين الذي شاع في أعقاب الحرب الأهلية الأميركية، لكنه كان يُبدي حرصاً شديداً من أول يوم، على أن يُبقي تركيبة مشروبه الحقيقية ومقاديرها طي الكتمان إلى الأبد.
في ظل الاعتقاد السائد في أميركا حينها، بأن المياه الفوارة مُفيدة للصحة، حقق اختراع بيمبرتون انتشاراً واسعاً باعتباره مشروباً مُنعشاً ولذيذاً، وذلك قبل أن يبدأ الناس في العام 1904 القلق من الآثار المحتملة للإدمان، بتأثير أوراق نبات الكوكا الذي يدخل في تركيبه، فاتخذت السلطات المحلية فى أتلانتا إجراءات للبدء في حظره.
اضطر بيمبرتون أن يُجري تغييراً على مكونات اختراعه، ويُطلق عليه اسم "كوكاكولا"، ويبيع حقوق إنتاجه إلى رجل أعمال يُدعى ايسا غريغز، وهو الرجل الذي كان أشد قلقاً من احتمال وقوع "قدس الأقداس" في الأيدي الخطأ، من بيمبرتون نفسه.
أقدم غريغز على إزالة كافة التسميات المُدونة على علب المُكونات، كي لا يُمكن التعرف عليها من العاملين إلا بواسطة النظر والشم فقط، وأودع النسخة الوحيدة المكتوبة على الفور في أحد بنوك جورجيا، ووضع لها رمز 7X.
تحولت كوكاكولا إلى المشروب المُرطب الأكثر شهرة في العالم، بعد أن رفعت معنويات الجيوش الأميركي في الحرب العالمية الثانية، ووقع في غرامها بعض قادة الاتحاد السوفياتي السابق، في الوقت الذي كانوا يُحرّمونها على شعوبهم باعتبارها رمزاً للامبريالية.
أصبحت كوكاكولا الأقوى تأثيراً على عوالم الموضة والرياضة والفن والموسيقى، حتى غزت أغاني فريق البيتلز في العام 1969، واصطحبها رواد الفضاء على متن مكوك الفضاء تشالنجر العام 1985، ورعت دورات الألعاب الأولمبية، بدءاً من دورة أمستردام في العام 1928، إلى دورة بكين في العام 2008.
تحتل الشركة الآن المركز السادس في قائمة أغلى العلامات التجارية للعام 2014، في منافسة شرسة مع شركات ضخمة بحجم جوجل وآبل، وحققت أرباحاً العام الماضي قدرها 8.6 مليار دولار، وجسدت مفهوم العولمة، بانتشارها فى قرابة 200 دولة.
وفقاً للخبراء فإن تركيبة كوكاكولا تُعَدّ أكبر سرٍ في العالم، على مدى الـ 150 عاماً الماضية.
ما هي حكاية هذا السر؟
طبقاً لمارك بيندر غراست، مؤلف كتاب "الله والوطن وكوكاكولا"، فإن "الحفاظ على سرية التركيبة، عبر إضفاء الألغاز والغموض عليها، يهدف جزئياً إلى زيادة الأرباح والاحتماء من المنافسة، ولكن الأهم من ذلك، أنه يمنع الناس من معرفة الحقيقة بأنّ المكونات رخيصة جداً والأرباح كبيرة".
وهو ما يعني أن "سر التركيبة" يُعتبر اللغز الذي تتعمد الشركات إخفاءه، ليكون سلاحاً يُستخدم في مواجهة حدّة المنافسة في صناعة المشروبات الغازية، ولفتح شهية الناس وجلب مستهلكين أكثر.
ووفقاً لموقع شركة كوكاكولا، ظلت تركيبة المشروب تُحفظ وتُنقل شفهياً، على مدى أكثر من نصف قرن من اختراعها، ولم تُكتب إلا في العام 1919، عندما اشترتها مجموعة ايرنست وودراف، ليتم بناء على ذلك تسليمها للمُلاك الجدد، الذين أغلقوا عليها قبو أحد بنوك آتلانتا في العام 1920.
وبعد 86 عاماً من ذلك التاريخ، وتحديداً في العام 2006، تقرر نقلها إلى متحف الشركة، التي حرصت على مدار عمرها، وفي جميع مراحل تغيير مجلس إدارتها، على أن تُبقي العلم بالتركيبة وتفاصيلها، مُقتصراً على اثنين فقط من مديريها الكبار، يسافران على متن نفس الطائرة، دون أن تكشف عن اسميهما ووظيفتهما.
وزيادة في أجواء الغموض، وضعت كوكاكولا تركيبتها داخل علبة حديدية، في خزينة هي أشبه بقلعة كبيرة مُحاطة بغابة من الأسوار الحديدية المؤمنة بالرنين المغناطيسي، ولا تفتح إلا بمجموعة من الرموز، التي تجعل من المستحيل تقريباً الوصول إليها.
ولم تُبد الشركة أي استعداد لعرض محتوى هذه الورقة المُحصنة، على اعتبار أن ذلك سيتطلب الكشف عن معادلة التركيبة نفسها، وهو ما سيجعل من السهل على شركات أخرى أن تصنع نفس المُنتج.
وعلى الرغم من ذلك، أخذت بعض محاولات كشف السر تطفو بين الفينة والأخرى، بدأتها صحيفة محلية في آتلانتا في العام 1979، بمقال ادعى كاتبه أن ما أورده هو تفاصيل التركيبة الأصلية لمشروب كوكاكولا، وأنه حصل عليها من دفتر قديم ينتمي لصديق وزميل مُقرب من بيمبرتون، مدون به تركيبة عبارة عن: مستخرج من أوراق الكوكا، والكافيين، والكثير من السكر، وعصير الليمون، والفانيليا والكراميل، بالإضافة إلى خليط من زيوت البرتقال وجوزة الطيب والقرفة.
كما نشر موقع Thisamericanlife.org ما يقول إنه نسخة طبق الأصل من التركيبة الأولى أيضاً، وهو ما دأبت الشركة على نفي صحته، مُشددة في جميع ردودها على أن ما في حوزتها فقط هو الشيء الوحيد الحقيقي.
أما مارك بيندر غراست فقد أورد في كتابه صورتين لقائمتين، تدّعيان أنهما تشرحان التركيبة الأصلية لاختراع بيمبرتون، والطريف أن غراست يُسلّم بأنهما صحيحتان، مُعلقاً "لا يتعلق الأمر بالتركيبة نفسها، فحتى لو عثر عليها المنافسون وطبقوها بحذافيرها، لن يقدروا على المنافسة، فمن ذا الذي سيشتري مشروباً سيكون في النهاية مماثلاً لكوكاكولا، وربما سعره أغلى، في الوقت الذي بإمكانه أن يشتري المشروب الأصلي من أي مكان من العالم؟!".